احتراف أم انحراف ؟!

منذ بداية عصر الاحتراف الرياضي وأصبحت الأرقام هي اللغة السائدة في ملاعبنا الرياضية وخصوصا كرة القدم والتي أصبحت بكل تأكيد مجالا خصبا للاستثمار وأصبحت صناعة كبرى تجلب كل رجال الأعمال إليها ، ولم يكن غريبا علينا أن نحاول تقليد الغرب في الاحتراف ولكن وبكل أسف دون أن نفهم معناه قبل أن نبدأ في تنفيذه وكأنه هو الحل الوحيد لجميع المشاكل الخاصة بكرة القدم !

وأتذكر أن بداية مرحلة دخول لعبة الاحتراف والتسويق بلغة الأرقام الكبيرة هذه كانت مع وجود رجل الأعمال الأسباني خوان أنطونيو سامارانش كرئيس للجنة الاوليمبية ، ففي عام 1988 أطلق برنامج 'التسويق الرياضي' والذي فتح الباب أمام شركات المياه الغازية والملابس الرياضية في الدخول في اللعبة كرعاة رسميين وليس معنى هذا انه لم يكن هناك احتراف قبل ذلك ولكن كان هناك وبكل تأكيد ولكن أصبحت الأرقام خيالية مع دخول هذه الشركات صناعة الكرة ومع دخول الإعلانات والتسويق هذا المجال ومع الانفتاح الاقتصادي والذي أدى بدوره لزيادة عدد اللاعبين المحترفين في كل دولة وزيادة عدد مرات انتقال اللاعب الواحد من نادي لأخر.

وقد يفهم الكثيرون أن الاحتراف هو إخلالا بالمبادئ والقيم ولكن الاحتراف والانتماء هما وجهان لعملة واحدة وعندما بدأ الاحتراف في أوروبا لم يكن الغرض منه إثارة المشاكل أو الحث على الخيانة أو عدم إعطاء كل ذي حقا حقه ولكن كان الهدف أسمى بكثير من ذلك وهو ما لم نفهمه أو نستوعبه حتى الآن !
فهناك الكثير من لاعبي الكرة العالميين انتقلوا من أندية صغيرة لأخرى كبيرة دون إثارة أي مشاكل بل وظلوا على علاقة قوية بجمهور الفريق الذي تركوه، ومخطأ من كان يتصور أن ألاحتراف يكون في الرياضة فقط بل في كل المجالات فقد يكون المهندس أو الدكتور أو المحاسب يرغب في الانتقال من جهة عمل لأخرى ولكن يلزمه قانون العمل بإخبار الجهة التي يريد تركها بفترة كافية أي يقدم استقالته بمدة تسمح لجهة العمل أن تجد البديل وربما تحاول تعويضه ماديا والإبقاء عليه وكذلك هو الحال في الرياضة وكرة القدم.

ولا أنوى الدخول في قضية الهارب والتي أصبحت كالفيلم الهابط والذي فشل المخرج في إخراجه كما أن بطله لا يصلح للتمثيل نهائيا ولكن هذه القضية عكست بكل ما أعنيه في هذه الموضوع في عدم إدراك اللاعب لحقوقه وحقوق ناديه وجهله بلوائح الفيفا ودور وكلاء اللاعبين الخفي وعدم احترام اللاعب لحقوق ناديه والسعي وراء المادة مهما كانت عواقب ذلك ولكن حلقة الهارب هي حلقة من ضمن حلقات الاحتراف الفاشل الذي نعانى منه منذ بدايته في مصر عام 1990 بدليل عدم وجود معنى واضح لهذه الكلمة في مصر حتى الآن !
وان كانت هناك الكثير من الصفقات قد أثارت الكثير من الجدل بانتقالها من الاهلى للزمالك أو العكس أمثال جمال عبد الحميد ورضا عبد العال وإبراهيم سعيد وحسام حسن وطارق السعيد واينو وآخرون ومن أندية القمة للقاع والعكس وأنا هنا لست بصدد الحديث عن انتقالات اللاعبين ، إلا انه يظل الانتماء متواجد ويظل احترام جمهور المنافسين متواجد وان قل للسعي وراء المادة دون احترام لمشاعر الآخرين في ظل عصر احترافي للمادة فقط دون أي معنى آخر وفى ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيش فيه ، فالاحتراف ليس مرتبط بكلمة المادة فقط ولكن هناك كلمات كثيرة مثل الخصخصة الرياضية والتسويق التجاري وحق الانتفاع وعقلية المحترف وقدرته الذهنية وكل هذه الكلمات غابت عنا لعدم قدرتنا على تطبيق المعنى الحقيقي للاحتراف .

والحل وبكل تأكيد هو عدم جعل لاعبي الكرة مجرد أداة في أيدي وكلاء اللاعبين وألا تكون المادة فقط هي الحافز للانتقال من مكان لمكان أخر وأن يكون في الاعتبار أيضا مدى استقرارا هذا الفريق والمركز الذي سيلعب اللاعب فيه والمناخ العام في النادي الذي سينتقل إليه وقدرته على العطاء فيه، كما يجب على المجلس القومي للرياضة أن ينظم دورات تدريبية لشرح قواعد انتقال اللاعبين ودور وكلاء اللاعبين وآخر تحديث لقوانين ولوائح الفيفا والذي أرسل لكل الاتحادات الأهلية في بداية العام الحالي دون أن نعرف عنه شيئا فلا يصح أن يكون هناك من بين ما يديرون اللعبة في مصر جهلة بلوائح الإتحاد الدولي وبحالات انتقال اللاعبين وبدور لجنة فض المنازعات بالفيفا !

وهو ما أوصاه مؤتمر دبي الدولي للاحتراف العام الماضي في عشرة توصيات وهى توفير كافة الظروف للإعداد الشامل للاعب بدنياً ومهارياً وخططياً ونفسياً واجتماعياً وصحياً ومعرفياً ، أما التوصية العاشرة فكانت في وضع صياغة منصفة في عقود الاحتراف للاعبين بما يوفر لأطراف التعاقد العدالة في الحقوق والواجبات كما تم التوجيه على السعي لإيجاد نظام تأميني مناسب للاعبين يتفق مع متطلبات عصر الاحتراف وكذلك المطالبة بوضع آلية لتفعيل نظام الوكالات المتخصصة لتسويق اللاعبين حتى يكون الاحتراف هو احتراف بمعنى الكلمة وليس انحراف كما هو الحال الآن !